عبادة الأشجار والأحجار من دون الله تعالى

...............................................................................

---

وكذلك ذكر الله أيضا أنهم يعبدون الأشجار كشجرة العزى، ويعبدون الأحجار كحجر مناة واللات ونحوها؛ ولهذا قال تعالى: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى .
الجواب محذوف؛ تقديره: أخبروني ماذا تفيدكم وما فائدتها؟!
ثم قال: إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ فدل على أنها معبودات لا تفيد من عبدها.
فهذا معنى أخبروني، أَفَرَأَيْتُمُ يعني أخبروني. ورد في بعض الآثار: أن اللات رجل كان يلت السويق للحاج؛ يعني يضيف الحجاج في الطائف فلما مات دفن تحت صخرة هناك، ثم أتوا على قبره ثم عبدوه، ثم عبدوا تلك الصخرة التي على قبره، وسموه باسمه اللات.
قرأه بعضهم بتشديد التاء اللاتّ، والقراءة المشهورة بالتخفيف اللَّاتَ هذه اللات يسمونها الربة عند أهل الطائف ثقيف ويسميها في الحديث الطاغية؛ لما أنهم أرادوا الدخول في الإسلام، قالوا: متعنا بالربة سنة اتركها لنا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لا، فقالوا شهرا، فقال: ولا ساعة أرسل إليها المغيرة بن شعبة وغيره فكسروها بالفئوس حطموها حتى صارت رذاذا حتى لا يبقى لها أثر.
أما العزى فهي شجرات بوادي نخلة بين مكة والطائف كان المشركون يعبدونها وبالأخص من أهل مكة وكانوا يحلفون في أيمانهم واللات والعزى، ولما أسلموا بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- إليها خالد بن الوليد فقطّع تلك الشجرات، وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: هل رأيت شيئا قال: لا، قال: فارجع فإنك لم تصنع شيئا، فلما رجع وأخذ يقطعها رأى شيطانة يعني جنية فعلاها بالسيف فقتلها وقال تلك العزى وذلك لأن المشركين عندما يدعون هذه الشجرات يسمعون صوتا، ويخبرهم بشيء من الأشياء؛ افعلوا كذا وأطيعوا كذا، وسوف يحدث لكم كذا وكذا، وهذا صوت هذا الشيطان، أو هذا الجني الذي يتكلم من أصل تلك الشجرة.
وإلا فهم يعرفون أن الأشجار يأتي عليها الموت وأنها تموت، وأنها كانت معدومة ثم نبتت وأنها لا تنفع ولا تضر كسائر بقية الشجرات، ولكن لما زين لهم الشيطان هذه الشجرة وأن فيها فائدة وتكلم فيها صوتها عند ذلك عبدوها.
ومثلها أيضا مناة؛ بناية بالمشلل. عند قديد كان الأنصار أهل المدينة الأوس والخزرج يحرمون منها، وكان يراق عندها الدماء يعني الذبائح، قيل: إنها سميت مناة لكثرة ما يمنى عندها من الدماء؛ يعني ما يراق عليها، ما يذبح عندها من القرابين، وقيل: إنهم اشتقوا لها اسما من اسم الله تعالى المنان، أو أنها تمن عليهم يعني تعطيهم وتنفعهم.
بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- إليها عليا فهدمها، وللمشركين الأولين معبودات كثيرة كما لقوم إبراهيم تلك المعبودات التي كانوا ينحتونها.
ذكر أيضا دليلا أو قصة ذات أنواط شجرة كانت في المشركين من ثقيف وهوازن ونحوهم، كانوا يعلقون؛ يجعلوا فيها عرى من حبال أو خيوط ويسمونها أنواط؛ يعني عرى ينوطون يعلقون بها أسلحتهم؛ يدعون أنهم إذا علقوا فيها السيف أو الخنجر أو الرمح كان أنكى له وأشد لوطئه عندما يقاتلون به، وذلك بلا شك اعتقاد في هذه الشجرة التي هي مخلوقة.
بعض الصحابة كانوا حديثا عهدهم بالشرك، ولما تذكروا شجرة هؤلاء المشركين التي هي ذات أنواط ومروا بشجرة شبيهة بها فقالوا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ؛ يعني شجرة نعلق فيها أسلحتنا حتى تنالها بركتها فأنكر ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- وكبر ربه الله أكبر، إنها السنن -يعني العادات- قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ فقوم موسى لما أنجاهم الله تعالى من عدوهم، ومروا على قوم عندهم أصنام يعكفون عندها ويعبدونها طلبوا من موسى أن يجعل لهم إلها غير الله فقال: أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ .
النبي -صلى الله عليه وسلم- شبه مقالة هؤلاء بذات أنواط بمقالة أولئك؛ بمقالة بني إسرائيل اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا ثم قال: لتركبن سنن من كان قبلكم يعني عاداتهم.
الواقع أيضا أن المشركين المتأخرين عندهم مثل ذلك، ذكر ابن الغنام في تأريخه روضة الأذكار والأفهام أن هناك نخلة- نخل يعني فحل في الدرعية- يقول في تأريخه: والمرأة إذا تأخر عنها الزواج ولم ترغب فيها الأزواج تأتي إلى ذلك الفحل وتضمه، وتقول: يا فحل الفحول أريد زوجا قبل الحول. يعني في زعمهم أن هذه النخلة تجيبهم، وأنها يحصل لها أنها تتزوج. وإذا قدر أنها تزوجت على وجه الصدفة، قالوا: نفعها فحل الفحول.
وذكر أيضا أن هناك كهفا يعني غار في جبل؛ يزعمون أن ابنة الأمير أرادها بعض أهل السوق بفاحشة، فلجأت إلى ذلك الغار فاحتفظت واحتمت به ولم يقدر عليها، فكانوا يعظمون ذلك الغار؛ يأتون إليه بالأدهان يصبونها عليه ويتمسحون بحجارته ويرجون بركته؛ وهذا بلا شك شبيه بعادات الجاهلية.
وذكروا أيضا في التاريخ أنه كان هناك شجرة في بلدة العيينة وأنهم يعتقدون فيها، وأنهم يأتون إليها ويتبركون بها ويتمسحون بها فيزعمون أنها تفيدهم وتنفعهم، ولما قام الشيخ -رحمه الله تعالى- في دعوته قال: اقطعوا الشجرة فكأنهم خافوا، وقالوا: كيف نتجرأ على قطعها، إن من قطعها شلت يداه أو عقد أو أقعد أو اختطفت نفسه؛ لأنهم يعتقدون فيها؛ اعتقاد الجاهلية، عند ذلك قال: أنا أبدأ فأقطعها فلما بدأ يقطعها بالفأس وانتهى من قطعها، وساعده عليها بعض تلاميذه ظنوا أنه لا يصبح إلا وقد مات؛ انتقمت منه هذه الشجرة، فلما أصبح سليما سويا عرفوا أنهم على جهل.